الطربوش

بينى وبينك سور وراء سور وأنا لا مارد ولا عصفور

Saturday, November 11, 2006

شبح توفيق الحكيم .. أه والله

حتى تصل للورقة الأخيرة من تلك المسرحية فأنت فى حالة دهشة وصورتك إن شاهدتها فى تلك اللحظة لن تخرج عن منظر من الإتنين إما وجه "متنح " يصاحبه فم مفتوح أو إبتسامة رضا يصاحبها إهتزاز للرأس مثل تلك الحركة التى يجيد فعلها أبو قردان ، وفى كلا الحالتين لن يمتنع كفا يديك عن الإنضمام لبعضهما مع صوت فرقعة إستكمالا لحالة الدهشة والإندهاش التى تعيشها .

عبد ربو الحكيم !

وتستكمل حالة الإندهاش قائلا زى العبيط "يااااه مش معقول وتظل تكرر مش معقول دى حوالى خمس مرات ثم تصرخ وتستكمل جملتك أخيراوأنت تقول "مش معقول توفيق الحكيم يكتب الكلام ده" ثم تستعيد حالة الإندهاش مرة اخرى وتضم الكتاب الصغير وتحتضنه بيدك وتقلبه يمينا ويسارا بين أصابعك فى محاولة للتأكد بأن الصورة الموجودة على غلافه هى فعلا صورة لتوفيق الحكيم وليس شبحه، وأن التوقيع الموجود على الغلاف هو نفسه التوقيع الشهير لتوفيق الحكيم وليس توقيع عبد ربو الحكيم أو توفيق الجن ثم تقرب الكتاب أكثر وأكثر من عينيك السودويين أو ايا كان لونهما لتتأكد بأن إسم المسرحية هو رصاصة فى قلبين وليس رصاصة فى القلب" التى نعرفها جميعا " .
ومن أجل مزيدا من اليقين قد تأتى بعدسة مكبرة لتقرأ تلك الجملة الصغيرة الموجودة فى صدر الكتاب والتى تقول بأن تلك المسرحية لم تنشر من قبل ثم تسعى بعدها لأن تغلق عيونك المندهشة بعد أن تصيبك حالة من التعب والصداع من كثرة الإندهاش والتتنيح وينغلق فمك المندهش هو الأخر ثم تفتحه على إستحياء ليقول جملة واحدة فقط " جايز .. ليه لأ " ثم يطل عفريت من رأسك وهو فارد أجنحته وشايف نفسه شوية وكأنه هدهد سليمان حاضر إليك بالخبر اليقين الذى يقول " مش ممكن تكون دار النشر بتنصب علينا والمسرحية مش بتاعة توفيق الحكيم وإسمه محطوط كده وخلاص " .

إيه الحلاوة دى !

غير أن الصفحات الأولى من الكتاب الصغير الذى يضم المسرحية محل الخلاف ويشرح لك قصة هذه المسرحية الجهولة لتوفيق الحكيم وقصة كتابتها وحدوتة نشرها وكيف انها تنشر للناس للمرة الأولى ستثبت لك فى النهاية أن هذا العفريت الذى طل من رأسك كذاب ومدعى ويسعى للوقيعة بينك وبين الراجل صاحب دار النشر التى أصدرت هذه المسرحية على إعتبار أن فيه بينهم مشاكل !
بعد أن تنتهى من تلك الحدوتة ويحدث لك ماحدث يعنى بعد ماتقرأ المسرحية وتنهش وتتعجب وتستغرب وتستنكر سيصيبك بعض من الهدوء المخلوط بشوية إبتسامات هادئة المصحوب بجملة واحدة تركب دماغك وتدلدل رجليها وتقول "أما الكبار دول عليهم حاجات ياجدعان" !
ياه ياعم توفيق إيه الجمال والخيال والبساطة دى ، تخيل قارئ بحجم توفيق الحكيم وفكره وعبقريته ووقاره وهو يكتب عشرة او عشرين ورقة بتلك الخفة والبساطة مسرحية من اجل التهيييس فقط إسمها "رصاصة فى قلبين" ولا تتعجب من تشابه الإسم مع مسرحية توفيق الحكيم الخالدة "رصاصة فى القلب " والتى تحولت إلى فيلم سينما قام ببطولته عبد الوهاب فتشابه إسم المسرحيتين لم يأتى من فراغ فتوفيق الحكيم لم يفعل شئ سوى أنه قرر إعادة كتابة رصاصة فى القلب بأسلوب مختلف وإستايل جديد فخرجت تلك الرائعة التى تنشرها دار الشروق أخيرا فى كتاب من القطع الصغير لم يصل تعداد صفحاته إلى المائة .
فى رصاصة فى قلبين يكشف توفيق الحكيم عن جانب اخر من شخصية المثقف الذى ينظر الناس إلى شيبته ووقاره وعصاه التى يتعجز عليها على أنها صورة كاملة للكلاسيكية والأفكار المعلبة هذا الجانب من المسخرة الكوميدية والبساطة فى الأسلوب وعبقرية الفكرة المختلفة الغير متوقعة انكشف فى تلك المسرحية التى حاول توفيق الحكيم أن يرسم بها صورة جديدة للمرأة ومكانتها فى قلبه وحاول أن يعيد للشعر ريادته فى تكوين الأفكار وتداولها وصور فيها صورة أخرى للديمقراطية المنتظرة وسحرها .
المسرحية قد تراها وانت تقرأها وكأنها شئ مسلى فى رحلة سفر تقول كل هذا وأكثر تتحدث عن الوحدة العربية وسبل تحقيقها وعن دور الأدب والثقافة فى تكوينها تتحدث عن الديمقراطية وكيفية إستخدامها ، تكفر بالسياسين العرب وتلعن اليوم الذى ظهرت فيه تلك الفئة التى تحكم بالعصا وماء النار الذى شوهوا به مفهوم العروبة وأجروا له عمليات ترقيع لم تفلح فى إعادة جماله ، المسرحية البسيطة فى كلامها ليست كذلك أبدا فى أفكارها فهى دعوة صريحة لشعوب المنطقة أن يحرروا أفكارهم مرة اخرى ويطلقوا أحلام الحرية من أقفاصها ، دعوة صريحة للشعوب العربية تطالبهم بالكفر بالسياسين العرب وكروشهم التى إمتلات فوق عروشهم ، دعوة تقول أن الشعوب لا الحكام هم طريق تلك الامة نحو حضارة محترمة ووحدة ثقافية وفكرية تدوم للأبد .

الحكيم لما يهيييس !

هذا ملخص مايدور بين سطور تلك المسرحية التى تدور أحداثها حول إجتماع مجموعة من سيدات المجتمع العربى فى صالون نسائى من أجل التحضير لمؤامرة هدفها الأساسى هو خدمة التراث العربى من خلال عمل شعرى غنائى شترك فى تأليفه وتلحينه توفيق الحكيم مع محمد عبد الوهاب فهذا الإجتماعى النسائى كان يهدف إلى إستخدام فتاة صغيرة تتمتع بجمال قوى من أجل تقديم الشحن العاطفى المناسب لأكبر أديب وأكبر موسيقار فى الوطن العربى لدفعهما لإنتاج عمل إبداعى كبير يعبر عن وحدة وترابط الوطن العربى بكل فئاته وأشكاله.
ويتابع الحكيم فكرته المجنونة بأن يعترف هو وعبد الوهاب بكبر سنهم وشيخوختهم وعدم قدرتهم على مجاراة جمال الفتاة الصغيرة ويستأجر الحكيم نور الشريف ليحل محله ويعود به لمرحلة الشباب ويستأجر عبد الوهاب محمود ياسين ليفعل نفس الشئ حتى يستطيع أن يفوز بقلب الفتاة الجميلة.
وهكذا يحاول توفيق الحكيم وعبد الوهاب الرد على مؤامرة سيدات المجتمع بمؤامرة أخرى ثم تتحول اللعبة إلى لعبة ثلاثية حينما يشترك فيها نور الشريف ومحمود ياسين من أجل الإيقاع بالفتاة الجميلة ويحاول الحكيم من خلال نور وياسين ان يلقى الضوء على بخله وعلى إسراف عبد الوهاب وحبه للنساء وينقل الحكيم الأحداث لسويسرا والحرب الدائرة بين توفيق الحكيم المزيف وعبد الوهاب المزيف ايضا من اجل الفوز بحب " فيفى " بينما فى القاهرة كان الصراع يدور بين توفيق الحكيم الحقيقى وعبد الوهاب الحقيقى على شئ هو ايضا حقيقى هو عمل شعرى غنائى يقول بأن وحدة العرب وتقدمهم لن تبدا من عند أوغاد السياسة بل تبدا من فوق المسرح ... من الفن والثقافة .
هذا ما أراد أن يقوله الحكيم ولكن ما لا يدركه الحكيم الأن أن أوغاد السياسة نجحوا فى ان يسحبوا الفن والثقافة فى الو طن العربى إلى حظيرتهم ولم يعد للعرب لا فن ولا ثقافة مشتركة كانت أم فردية والبركة فى ملوك الهشك بشك الذين حطموا حلم توفيق الحكيم بالمرزبة !

1 Comments:

  • At 7:15 AM, Blogger street project said…

    كلامك رائع

    أنا برضه قرأت الرواية ديه و فرحت جداً لما قراتها و على فكرة الرواية ليست للتهييس و للضجك .. الرواية فيها الكثير من الفلسفة و المعاني الضمنية التي تختبئ في صورة كوميدية .. و هي خليط من مشاعر و أراء شخصية للعقاد و عربية حلو المجتمع

     

Post a Comment

<< Home